ثورة الشيخ عبد السلام البارزاني في موصل عام 1912

بقلم: د. عدنان بوزان

من هو عبد السلام البارزاني :

الشيخ عبد السلام البارزاني، الذي ولد في عام 1882، يشكل شخصية بارزة ومؤثرة في تاريخ الكورد والمنطقة الشمالية. ينتسب إلى سلالة عريقة من علماء الدين، حيث يعتبر جده الأكبر، الشيخ تاج الدين (ملا بكر)، رمزاً للحكمة والتقوى.

هو الشيخ عبد السلام ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد السلام ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ تاج الدين (ملا بكر) ابن سعيد ابن مسعود، حيث يعتبر الأخير جدهم الأكبر.

ومع بداية عهده كان ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺭ العلاقات الاقطاعية، وذلك ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 1902 ﺣﻴﻦ ﺃﻋﻠﻨﺖ ﺑﺎﺭﺯﺍﻥ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻬﺎ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ، حيث تم ﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺇﻋﻼﻥ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻗﻄﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺰﻳﺒﺎﺭ ‏، فشهدت ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﻬﺪﻳﻨﺎﻥ ﺑﻮﺍﺩﺭ ﺗﺤﻮﻝ ﻃﺒﻘﻲ ﻭﺍﻧﻘﻼﺑﺎً ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻘﻮﻯ، ﻭكان ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺮﺍﻙ ﺍﻟﻔﻼﺣﻲ ﺍﻟﻤﻨﻈﻢ ﻫﻮ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻜوﺮﺩﻳﺔ، ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﻟﻮﻻ ﻭﻗﻮﻑ ﻣﺸﻴﺨﺔ ﺑﺎﺭﺯﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﻢ.

بدأت رحلة الشيخ عبد السلام في ميدان العلم والتعليم في بداية القرن العشرين، حيث تميز عهده بالنشاط الفاعل في مساعي تطوير العلاقات القبلية والاجتماعية. في عام 1902، شغل منصب التحول البارز في العلاقات الاقطاعية، حيث سعى إلى تعزيز التواصل والتبادل بين القبائل وتحقيق التضامن الاجتماعي.

وفي سياق مهم آخر، شهدت محافل عهده تطورات هامة في العلاقات الدولية، خاصةً مع القرارات التي اتخذها في مسألة الحدود مع الدول المجاورة. تجلى دوره البارز في تحقيق التوازن بين المصالح القبلية والتحول نحو التفاعل الدولي.

وكانت له بصماته الخاصة في مجال تعزيز التعليم وتطوير المؤسسات التعليمية. فقد كان الشيخ عبد السلام يركز على تحفيز الشباب وتمكينهم من المشاركة الفعّالة في بناء مستقبل المجتمع. تأثيره الإيجابي امتد إلى مختلف جوانب الحياة، مما جعله شخصية لامعة في تاريخ المنطقة.

خلاصة القول، يظل الشيخ عبد السلام البارزاني رمزاً للحكمة والرؤية الشاملة، حيث أسهم بشكل فعّال في بناء جسور التواصل وتعزيز التقارب بين القبائل والأمم، وسط تحديات الحقبة التي عاش فيها.

الشيخ عبد السلام الثاني، الذي قاد برنامجاً شاملاً خلال فترة حكمه، قام بإحداث تحولات هامة في مجتمعه، وأحدث تغييرات جذرية في مختلف جوانب الحياة. من بين أبرز الإنجازات التي حققها يمكن التعريف بها كما يلي:

1- القضاء على النظام الاقطاعي:

قام الشيخ عبد السلام الثاني بالتصدي للنظام الاقطاعي الذي كان يسود في المنطقة، وعمل بجد على إنهاء هذا النظام الذي كان يفصل بين الأفراد ويؤدي إلى التفرقة الاقتصادية.

2- توزيع الأراضي على الفلاحين:

قام ببرنامج هام لتوزيع الأراضي بشكل عادل على الفلاحين، بهدف تحسين أوضاعهم الاقتصادية وتعزيز فرصهم للإنتاج الزراعي.

3- منع الزواج القاصرات وأكل المهور:

اعتنى الشيخ بتعزيز حقوق الأفراد وخاصة حقوق المرأة، حيث قام بمنع الزواج القاصرات وفرض قوانين تقييدية على عملية دفع المهور، بهدف تحسين ظروف الحياة الاجتماعية.

4- تشييد مسجد في كل قرية:

نفذ برنامجاً لبناء مسجد في كل قرية، وذلك لأداء الفرائض الدينية وأيضاً لاستخدامه كمركز للاجتماعات والمشاورات وحل المشاكل بين أفراد القرية.

5- تشكيل لجان في كل قرية:

أسس لجاناً في كل قرية تتولى مسؤولية إدارة شؤون القرية من كافة النواحي، بما في ذلك القضايا الاجتماعية والاقتصادية.

6- العدالة الاجتماعية:

عمل جاهداً على تعزيز العدالة الاجتماعية بين جميع طوائف المجتمع، خاصة في قرية بارزان والمناطق المحيطة بها التي كانت مأوى لأتباع الأديان الثلاثة. كما سعى إلى تحقيق التوازن والتعايش السلمي بين الأديان والمجموعات الدينية المختلفة.

بإحداث هذه التغييرات والإصلاحات، أسهم الشيخ عبد السلام الثاني في تحسين ظروف حياة الناس في المنطقة وتعزيز التنمية الشاملة.

خصوم المشيخة البارزانية ومعارضي الشيخ عبد السلام الثاني لم يتركوا فرصةً لعرقلة مشروعه الإصلاحي، حيث رأوا في هذه الجهود تهديداً لمكانتهم ونفوذهم السائد في المنطقة. كانت هناك محاولات جادة لتشويه صورة الشيخ عبد السلام والتشكيك في نواياه، حيث قادتهم هذه الخلافات إلى اتخاذ مواقف عدائية.

من بين أبرز خصوم الشيخ عبد السلام الثاني كان الشيخ محمد صديق النهري، الذي نظر إلى مشروع الإصلاح باعتباره تهديداً مباشراً لنفوذه وسط القبائل. قاد الشيخ محمد صديق النهري حملات معارضة شديدة ضد الإصلاحات، حيث حاول نشر أفكار تشكيكية بين الناس حول نوايا الشيخ عبد السلام. في محاولة للحد من شعبية الشيخ، استخدمت مركز "السادات النهرية" وسائل الإعلام لتصوير جولاته وتحركاته في المنطقة على أنها تهديد صريح للنظام القائم ومكانة خصومه.

وفي مواجهة هذه الضغوط والحملات العدائية، استمر الشيخ عبد السلام الثاني في مسعاه الإصلاحي، حيث كان يؤكد باستمرار على أهدافه الحقيقية ورغبته في تحسين ظروف حياة الناس في المنطقة. بالرغم من العقبات والمعارضة الشديدة، استمرت إصلاحاته في الإسهام في تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بارزان والمناطق المجاورة.

بعد وفاة الشيخ محمد صديق النهري في عام 1911، لم يتمكن من تحقيق أهدافه وخططه ضد الشيخ عبد السلام الثاني. بل، تم خلفه بابنه السيد طه الثاني، الذي دخل في صراع مع عمه عبد القادر على الخلافة. في النهاية، تحسنت علاقة السيد طه الثاني بشكل كبير مع الشيخ عبد السلام، حتى أنه لجأ إلى بارزان في أوقات كانت فيها يطارده العثمانيون، مما يظهر القوة السياسية والتأثير الثقافي للشيخ عبد السلام الثاني.

في عهد الشيخ عبد السلام الثاني، شهدت القومية الكوردية تطوراً وانتشاراً أكبر، حيث أصبحت هذه الفكرة أكثر شيوعاً وتأثيراً. ورغم أن المسار الذي اتخذته القومية الكوردية في كوردستان قد اختلف عن المسار الذي كان يرغب فيه القوميون الكورد الرومانسيون وغيرهم في استانبول، إلا أن القومية اكتسبت شعبية كبيرة في صفوف الكورد.

في كوردستان، اتجهت الأفكار القومية إلى الطرق الصوفية والتكايا، حيث أصبح الشيوخ أنصاراً متحمسين للقضايا القومية. وجدت هذه الأفكار ترحيباً وقبولاً واسعاً بين الكورد، وذلك لعدة أسباب.

أولاً، لأن هذه الأفكار كانت مرتبطة بالشيوخ الذين كانوا يحظون بتقدير واحترام كبيرين في المجتمع.

ثانياً، لأن التكايا كانت وسيلة فعّالة للحماية من تدخل السلطات ومضايقاتها، وهو ما جعلها محور جذب للكثيرين.

بفضل دعم الشيوخ والقبول الواسع في صفوف الكورد، تمكنت القومية الكوردية من الانتشار بشكل أوسع وتأثير أعمق في المجتمع الكوردي. وعلى الرغم من الاختلاف في المسار بين القوميين الكورد في كوردستان وتلك الذين كانوا في استانبول، إلا أن هذا التطور أظهر التنوع الثقافي والاجتماعي داخل المجتمع الكوردي وقدرته على استيعاب وتطوير الأفكار والحركات السياسية بطرق متنوعة.

التسامح الديني في عهده :

التسامح الديني كان سمة بارزة في عهد الشيخ عبد السلام الثاني، حيث عاش أتباع الأديان الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) في تلك النواحي بوئام وسلام. وبالرغم من أن العثمانيين كانوا ينظرون بحقد وكره إلى هذا التسامح الديني الذي أظهره الشيخ عبد السلام، والذي كان يُلقب بـ "شيخ النصارى"، فإنه كان يحظى بعلاقة ممتازة أيضاً مع اليهود.

في ظل هذا التسامح الديني، جمعت صداقة عميقة بين مشيخة بارزان وعائلة "غباي"، التي كانت واحدة من أغنى عائلات كوردستان. وعندما قررت الدولة العثمانية اعتقال الشيخ عبد السلام وحكمت عليه بالإعدام، قدمت عائلة "غباي" كيساً من الذهب وأرسلته مع إلياهو غباي إلى إسطنبول لإنقاذ الشيخ. وعلى الرغم من تقديم إلياهو غباي أمراً يلغي عقوبة الإعدام، إلا أن العثمانيين تراجعوا عن هذا القرار وقاموا بإعدام الشيخ.

يأتي أهمية التسامح الديني في عهد الشيخ عبد السلام بشكل خاص خلال الفترة التي شهدت اجتماع غيوم إبادة الأرمن في أفق الدولة العثمانية. في حين يتهم بعض الباحثين والأوساط السياسية العشائر الكوردية بالمشاركة في تقتيل الأرمن لدوافع دينية، تظهر الوقائع التاريخية أن عدة عشائر كوردية، بما في ذلك عشيرة بارزاني، دافعت بقوة عن الأرمن في مواجهة الحملات العثمانية.

نظرة الشيخ عبد السلام التسامحية كان لها دور كبير في توسيع رقعة التسامح الديني في المجتمع الكوردي، وأسهمت في بناء بيئة متسامحة ومعتدلة في كوردستان، وهو ما لا يزال يعكسه المجتمع الكوردي حتى يومنا هذا.

هذا التوجه نحو التسامح الديني في عهد الشيخ عبد السلام الثاني أسهم في تشكيل هوية مجتمع كوردي متنوع ومتسامح، حيث كان يسعى إلى إحلال الفهم والتواصل بين الأديان المختلفة. تمثل هذه الرؤية نموذجاً للتعايش السلمي بين الأديان في المنطقة، وقوامها الأخلاقي والديني أعطى للمجتمع الكوردي بأكمله هويةً متوازنة ومتسامحة.

تجلى تأثير هذا التسامح في الدفاع عن حقوق الأقليات والتضامن معهم في وجه التحديات التي فرضتها الأحداث السياسية والاجتماعية. وقد أظهر الشيخ عبد السلام الثاني، من خلال الصداقة مع عائلة "غباي" ودعمه لليهود والنصارى، أن التسامح لا يقتصر فقط على الكلام بل يتطلب العمل الفعلي والتفاعل الإيجابي بين الأديان المختلفة.

على الرغم من تحديات العصور والظروف التاريخية، فإن روح التسامح التي نشرها الشيخ عبد السلام الثاني لا تزال حاضرة في الوعي الجماعي للمجتمع الكوردي. وقد تركت هذه الروح بصمتها في تشكيل الهوية الكوردية، مما يعزز التفاهم والتعايش السلمي في المنطقة.

انتفاضة الشيخ عبد السلام :

انتفاضة الشيخ عبد السلام الثاني تمثل فصلاً تاريخياً هاماً في تطورات الكوردستان العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر. بدأت هذه الفترة بجهود الشيخ في تحسين العلاقات بين العشائر الكوردية، وتحديداً في سعيه لإصلاح البيت الكوردي بهدف تحقيق حلم الدولة الكوردية.

في جولاته العديدة، قام الشيخ عبد السلام الثاني بالتواصل مع عدة عشائر كوردية، حيث كان يسعى إلى تحقيق الوحدة بينها وتعزيز التضامن الكوردي. كما قام بزيارة إلى الشيخ بهاء الدين نقشبندي في بارمني، رغم وجود عداء دائم بينهما. هذه الجهود كانت جزءاً من استراتيجيته لبناء جسور الفهم والتعاون بين العشائر المتنافسة.

وفي سعيه لتحقيق التغيير، نشط الشيخ عبد السلام الثاني في البحث عن وسيلة ناجحة للخلاص من الحالة التي وصلت إليها الكورد. كان له دور أساسي في نشر فكرة الاصلاح السياسي بين أبناء كوردستان. بناء على ذلك، قام بتكوين صلات وثيقة مع الجمعيات الكوردية الفاعلة مثل جمعية "تعالي وترقي" وجمعية "هيفي" وجمعية "استقلال الكرد". كما بنى علاقات جيدة مع شخصيات كوردية بارزة مثل الشيخ محمود الحفيد والشيخ عبد القادر النهري وسمايل آغا شكاك (سمكو).

تأتي أهمية هذه الانتفاضة في السعي إلى توحيد الكورد وتحقيق التنمية والاستقلال عن النظام العثماني. رغم التحديات التي واجهها الشيخ عبد السلام، فقد رسم مساراً للنضال الكوردي والتحول الاجتماعي والسياسي في تلك الفترة التاريخية.

في ربيع عام 1907، تاريخ مهم في مسيرة الشيخ عبد السلام الثاني، حضر اجتماعاً هاماً في دار الشيخ نور محمد البريفكاني، زعيم التكية القادرية في قرية بريفكان. كان الاجتماع جمع بين الشيخ عبد السلام وعدد كبير من زعماء القبائل الكوردية، وكان له أهمية خاصة في تاريخ حركة الكورد نحو تحقيق حقوقهم وتحديات النظام العثماني.

في هذا الاجتماع، تم اتخاذ قرار برفع برقية إلى الباب العالي في الآستانة تتضمن مطالب هامة تعبر عن تطلعات الكورد وحاجاتهم الوطنية والدينية. كانت المطالب تشمل النقاط التالية:

1- جعل اللغة الكوردية لغة رسمية.

2- جعل التعليم باللغة الكوردية.

3- تعيين القائم قائمون ومدراء النواحي، وبقية الموظفين، ممن يتقنون اللغة الكوردية.

4- تنظيم الأحكام بمقتضى الشريعة الإسلامية.

5- تعيين لمناصب القضاء والإفتاء ممن هم على المذهب الشافعي.

وقد يعكس هذا المطلب، الخامس خاصة، ذكاء الشيخ عبد السلام في تحقيق أهدافه. حيث كان المذهب الشافعي المتبع في المناصب القضائية والدينية يتناسب مع الأغلبية الكوردية، وكانت هذه الخطوة تعكس رغبة في تأسيس قيادة روحية كوردية.

- تحديد استخدام الضرائب لأغراض خدمية محددة مثل إصلاح الطرق وفتح المدارس.

تتنوع المطالب بين الجوانب القومية والدينية، وتظهر الذكاء الاستراتيجي للشيخ عبد السلام في دمج المطالب بما يخدم تحقيق أهداف الكورد بشكل أوسع. كانت هذه الأحداث خطوة هامة نحو تشكيل هويتهم والتصدي للتحديات التي واجهوها في تلك الفترة.

في سياق التاريخ الكوردي، يتجلى دور الشيخ عبد السلام الثاني بوضوح خلال فترة الأحداث التي وقعت في ربيع عام 1907. وفي هذا السياق، نشهد على وقوف الشيخ عبد السلام مع مجموعة من الزعماء الكورد في مواجهة التحديات التي كانت تواجههم من قبل النظام العثماني.

لذلك تم إرسال برقية تحتوي على مطالب هامة من قبل الشيخ عبد السلام وزعماء كوردستان إلى الباب العالي في الآستانة. ويرد الدملوجي في كتابه "أمارة بهدينان" أن هناك صورة من البرقية تم إرسالها لزعماء مختلفين مثل الشيخ عبد القادر النهري وأمين عالي بدرخان والفريق شريف باشا. ويرى الدملوجي أن هذه الصورة لم تكن تلبي رغبة الجميع في جعل البرقية رسمية بحتة، ولكن الشيخ عبد السلام قرر توقيع البرقية نيابة عن الجميع.

في اجتماع جمع زعماء كوردستان، أقسم الجميع باليمين على التمسك بالمطالب التي وردت في البرقية، وتم رفعها بتوقيع الشيخ عبد السلام نيابة عن الجميع. ومع تسلم الباب العالي للبرقية، اعتبروها خروجاً عن الطاعة وطلباً للانفصال، مما أدى إلى إعلان النفير العام وتحركت القوات في عام 1907 بقيادة الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني.

في مواجهة هذه الأحداث، أصر الشيخ عبد السلام على الدفاع والمقاومة. استمرت القوات في بارزان بالصمود لمدة شهرين، بينما تخلف زعماء العشائر الآخرين عن مساعدتهم، إما بالتوقف عند المتفرجين أو حتى بالتعاون مع الغزاة. وفي النهاية، اضطر الشيخ عبد السلام إلى ترك المنطقة والذهاب إلى "مار شمعون" في تياري، حيث وجد لجوءاً واحتراماً، وبدأت علاقة ودية بين بارزان والآثوريين تتشكل منذ تلك الفترة.

في أعقاب دخول الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني بقواته إلى المنطقة، شهدت الأرض كارثة إنسانية بحجم كبير. قام الداغستاني بحرق القرى ونهب الأموال، وصلت تداولاته إلى حد اعتقال النساء والأطفال. تعرضت المنطقة لموجة من العنف والفوضى، والآثار الكارثية لتلك الفترة.

في هذا السياق، وقع الملا البارزاني، والذي يُعرف بدوره البارز في المنطقة، مع والدته في قبضة الاحتلال. تم اعتقالهما وسجنهما في سجن الموصل، حيث مرّوا بتجارب قاسية ومأساوية.

فيما يتعلق بالمقاومة، اختفى عدد كبير من الرجال المسلحين في مناطق نائية، انتظاراً لتعليمات الشيخ عبد السلام الثاني. كان هؤلاء الرجال يأملون في البقاء على قيد الحياة والتصدي للاعتداءات الوحشية، وكانوا ينتظرون الفرصة المناسبة للتحرك والدفاع عن أرضهم وكرامتهم. تلك اللحظة كانت فترة تجلت فيها الصمود والتصديق بوحدة الشعب الكوردي رغم التحديات والمحن التي واجهوها.

عاد الشيخ عبد السلام الثاني إلى بارزان في عام 1908، وجمع حوله رجاله للمضي قدماً في مسيرة التحرير والمقاومة. تجمعوا شمال قرية بارزان وشنوا هجوماً مباغتاً وعنيفاً على الوحدات العثمانية المتواجدة في المنطقة. نجحوا في تطهير المنطقة بأكملها وألحقوا خسائر كبيرة بالقوات العثمانية.

بعد هذا الانتصار البارز، طلبت السلطات العثمانية بدء مفاوضات مع الشيخ عبد السلام. وافق الشيخ على التفاوض، وتم عقد صلح أدى إلى الإفراج عن المعتقلين، ودفعت تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالمنطقة.

بموجب هذا الصلح، تسلم اللواء أسعد باشا، قائد الفيلق 12 ووالي الموصل، مسؤولية المنطقة، وتم تحديد عدد محدود للمحميات العثمانية. عادت الحياة إلى طبيعتها بعد هذه الفترة الصعبة، حيث تجنبت المنطقة الاحتقانان وعادت الأمور إلى سيرها الطبيعي.

وفي سياق آخر، وفي ظل بداية حرب العثمانيين في البلقان عام 1912، بعث الشيخ عبد السلام رسالة إلى الباب العالي في الدولة العثمانية، عبر فيها عن حزنه لرؤية إخوته في الدين يحاربون بعضهم البعض. قدم الشيخ دعماً بشكل فوري، وجهز 12 ألف مقاتل لدعم إخوته في البلقان. وطلب من الدولة العثمانية إرسال قائد عسكري مع بعض المقاتلين للمشاركة في هذا الجهد. ورغم تقديم الشيخ عبد السلام للدعم والإعداد الجيد، فإن الدولة العثمانية رفضت الاقتراح، وأبدت امتنانها وتقديرها للشيخ عبد السلام برتبة عالية.

تسلم سليمان نظيف مسؤولية ولاية الموصل، وقام بتنفيذ سياسة قمع واضطهاد عنيفة. كان نظيف وزملاؤه من تيار "تركيا الفتاة"، الذين كانوا ينادون بإصلاح الإدارة في الدولة العثمانية. على الرغم من كونهم كرداً، إلا أنهم لم يقبلوا بفكرة منح الكورد حقوقهم الوطنية.

في هذا السياق، قام سليمان نظيف بإرسال رسالة عبر عشائر كوردية إلى الباب العالي، اشتكى فيها من نشاطات الشيخ عبد السلام البارزاني. رداً على ذلك، أرسلت الدولة العثمانية 6 آلاف جندي تركي مدججين بالمدافع لمهاجمة الشيخ عبد السلام في عام 1913 بهدف اعتقاله. وقد قرر الشيخ عبد السلام مغادرة المنطقة مرة أخرى، حيث اتجه شرقاً نحو كوردستان. تم تعيين جائزة ثمينة لمن يلقن الشيخ عبد السلام البارزاني القبض عليه، سواءً كان حياً أم ميتاً.

على الرغم من الضغط الكبير الذي تعرض له الشيخ عبد السلام وتعقبه من قبل السلطات العثمانية، إلا أنه استمر في النضال والتحرك، ولجأ إلى شرق كوردستان للابتعاد عن التهديدات العثمانية.

في رحلته للتحرير من حكم العثمانيين، قام الشيخ عبد السلام البارزاني بزيارة إلى سمايل أغا شكاك ومعاً توجهوا إلى تفليس حيث التقوا بمندوب من جيش روسيا القيصرية. قدم المندوب الدعم والوعد بالمساعدة في محاولاتهم للتحرر من حكم العثمانيين.

على طريق عودتهم، وبينما كانوا في سلماس، طلب صاحب إحدى القرى من الشيخ النزول وزيارة قريته. وبعد أن وافق الشيخ ونزل بضيافته، استغل الخائن صوفي عبد الله الفرصة وقام بخيانة الشيخ. اعتقله هو وحراسه الثلاثة وسلمهم للعثمانيين، واستفاد من خيانته بالحصول على جائزة.

تم نقل الشيخ إلى الموصل، وبعد محاكمة سطحية نظمها سليمان نظيف، صدر الحكم بإعدام الشيخ وحراسه في 14 ديسمبر 1914. هناك روايات أخرى تشير إلى أنه تم إعدامه في يناير 1915. يظهر هذا الحدث كواحد من المراحل المهمة في حياة ونضال الشيخ عبد السلام البارزاني، الذي كان يسعى لتحرير شعبه وتحقيق حقوقه.

بعد استشهاد الشيخ عبد السلام البارزاني، انتقل أحمد أغا البير سيافي مع قوة مسلحة تضم حوالي 100 شخص إلى قرية بارزان، بهدف حماية أحمد البارزاني وإخوته من هجمات القبائل المجاورة. بعد وفاة شقيقه عبد السلام، تولى الشيخ أحمد قيادة بارزان عن عمر يناهز 18 عاماً، وتبنى مبادئ شقيقه وسار على نهجه، حافظاً على الإصلاحات الاجتماعية وتطويرها.

تأتي شجاعة الشيخ أحمد إلى الواجهة مرة أخرى عندما ثار الشيخ محمود الحفيد ضد الاستعمار البريطاني عام 1919، حيث كان من أوائل الذين هبوا لنجدته. ولتكريم الدور الكبير الذي لعبه الشيخ عبد السلام، أرسل الشيخ عبد القادر النهري رسالة إلى الشيخ أحمد اقترح فيها عليه تولي قيادة الحركة الكوردية. ورغم الاقتراح، رفض الشيخ أحمد هذا الدور وأصر على أن يكون للشيخ عبد القادر. بناءً على طلبه، تم إرسال شقيقه مصطفى البارزاني إلى كوردستان في تركيا مع الشيخ عبد الرحمن الشرنخي للقاء الشيخ عبد القادر والشيخ سعيد بيران.

في نفس الوقت، شهدت ولاية بدليس انتفاضة تزامنت مع انتفاضة عبد السلام، ورغم اعتقاد بعض الباحثين في وجود تنسيق بينهما، إلا أن القوات العثمانية سرعان ما أحبطت الانتفاضة في بدليس وقضت عليها. يعتبر الشيخ سليم، الذي قاد الانتفاضة في بدليس، من الشخصيات المهمة التي لجأت إلى القنصلية الروسية وحاولت المقاومة ضد العثمانيين. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، قامت القوات التركية بمهاجمة القنصلية الروسية وقتل سليم، الذي اضطر للجوء إلى هناك.

وبينما كان يتواجد في القنصلية الروسية، قام الترك بمهاجمتها واقتحامها، وأخرجوه بالقوة، حيث تم إعدامه. باستشهاده، تولى الشيخ أحمد البارزاني مهمة قيادة بارزان، حيث كان عمره يناهز 18 عاماً. ورغم صغر سنه، أظهر الشيخ أحمد قوة وقدرة على تحمل المسؤوليات الكبيرة.

يتبنى الشيخ أحمد مبادئ وأهداف شقيقه الراحل، مما أسهم في استمرار الإصلاحات الاجتماعية وتطويرها في بارزان. وتحول الشيخ أحمد إلى رمز للمقاومة والتحدي، حيث تابع مسيرة النضال الكوردي. يشير دوره البارز إلى تمسك الكورد بحقوقهم وقيمهم الوطنية.

في الوقت نفسه، بينما كانت الدولة العثمانية تواجه التحديات والانهيارات في الحرب العالمية الأولى، استمر الشيخ أحمد البارزاني في دعم قضية الكورد ومساعدة إخوته في ديار الشام والعراق الحاليين. وكان ذلك جزءاً من تحركاته المستمرة لتعزيز قضية الكورد ونضالهم من أجل حقوقهم وكرامتهم.

مشيخة البارزانية بعد الشيخ عبد السلام:

مع تولي الشيخ أحمد البارزاني مشيخة بارزان بعد إعدام شقيقه الشيخ عبد السلام، دخلت الحركة الوطنية الكوردية في مرحلة تعقيد وحساسية. كانت الفترة موقتةً محفوفة بالتحديات نتيجة لتداخل الأحداث وتأثير الحرب العالمية الأولى، التي اندلعت في يوليو 1914. تعتبر منطقة الشرق الأوسط، حيث يوجد كوردستان، واحدة من الأماكن الرئيسية التي تأثرت بشكل كبير بأحداث الحرب ونتائجها.

بدأ الشيخ أحمد، الذي كان وقتها في سن مبكرة لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، بمحاولة إعادة تنظيم العشائر في بارزان، التي كانت قد تعرضت لحملات المطاردة والتشريد والقتل. على الرغم من نقصه في الخبرة، إلا أنه نجح في إحياء دور البارزانيين في الحركة القومية الكوردية.

في عام 1927، بدأ الشيخ أحمد في إعادة نشاط دور البارزانيين في الحركة الوطنية. بدأ عهد جديد من الثورات البارزانية التي كانت تهدف إلى تحقيق حرية الشعب الكوردي. وقد أظهر الشيخ أحمد تصميماً قوياً على استمرار نضال الكورد من أجل حقوقهم وتحقيق طموحاتهم الوطنية.

 

ثورة بارزان الأولى:

 

بعد إعدام الشيخ عبد السلام بارزاني في 14 كانون الأول 1914 على يد الدولة العثمانية، تسلم الشيخ أحمد بارزاني الزعامة في المنطقة، حيث كان في عام 1915 يبلغ من العمر 18 عاماً. وقد أدرك الشيخ أحمد تحديات المرحلة والضغوط التي تعرض لها الشعب الكوردي، وكان على عاتقه مواصلة رسالة الشيخ عبد السلام وتحقيق الطموحات الوطنية.

- تنظيم وتوحيد الصفوف:

في بداية فترة قيادته، ركز الشيخ أحمد على إعادة تنظيم الصفوف الكوردية في بارزان وتوحيدها بعد الاضطرابات التي شهدتها المنطقة نتيجة لحملات الاضطهاد والاعتقال التي قادتها الدولة العثمانية. قام ببناء هيكل تنظيمي قوي يهدف إلى تحقيق الوحدة والتنظيم بين القبائل والعشائر الكوردية.

- التأثير الديني والاجتماعي:

كان للشيخ أحمد دوراً بارزاً في المجال الديني والاجتماعي. قاد حملات لتعزيز الوعي الديني والاجتماعي بين أفراد المجتمع الكوردي. سعى إلى تعزيز القيم والأخلاق الإسلامية وتوجيه الناس نحو العدالة والمساواة.

- تحقيق الاستقلال والمقاومة:

مع تزايد التوترات والضغوط العثمانية والمشاكل التي واجهها الشعب الكوردي، أعلن الشيخ أحمد بارزاني عن مواقفه المناهضة للاستعمار والتمسك بحقوق الشعب الكوردي. بدأ في تنظيم حركات المقاومة والتصدي للضغوط الخارجية.

- ثورة بارزان الأولى:

في عام 1927، بدأت ثورة بارزان الأولى بقيادة الشيخ أحمد بارزاني. كانت هذه الثورة استجابة للاضطهاد العثماني وسعياً لتحقيق حقوق الكورد والدفاع عن استقلالهم. شهدت المنطقة مواجهات متعددة مع السلطات العثمانية، وكان الشيخ أحمد يوجه المقاومة ضد الظلم والقمع.

- نجاح الثورة:

تمكنت ثورة بارزان الأولى من تحقيق نجاحات ملحوظة في دفع القوات العثمانية إلى الانسحاب من المنطقة. حققت الثورة استقلالاً مؤقتاً لبارزان، وكانت خطوة هامة نحو تحقيق طموحات الشعب الكوردي.

- الأثر الدائم:

تركت ثورة بارزان الأولى أثراً دائماً على تشكيل الهوية الوطنية الكوردية وروح المقاومة. ساهمت في تعزيز وحدة الشعب الكوردي وألهمت الأجيال اللاحقة لمواصلة النضال من أجل الحرية والكرامة.

في عام 1931-1932، شهدت منطقة بارزان في كوردستان العراق ثورة بارزان الأولى، التي قادها الشيخ أحمد بارزاني ضد الحكومة العراقية بدعم من القوات البريطانية. كانت هذه الفترة جزءاً من تطورات أوسع للقضية الكوردية في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى.

في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أدركت بريطانيا أن الدولة العثمانية، حليفتها التقليدية، كانت تعتزم الدخول في الحرب. وجدت بريطانيا نفسها في موقف يتطلب حماية مصالحها في المنطقة، وهذا أدى إلى التفكير في تشكيل حدود جديدة وتقسيم المنطقة وفقاً لمصالحها الاستراتيجية والنفوذ الإقليمي.

في هذا السياق، شهدت كوردستان العراق نشوء قضية كوردية هامة وأصبحت محط اهتمام دولي. تأثرت منطقة بارزان بشكل كبير بهذه التحولات الجيوسياسية والاقتصادية. تزايدت التوترات بين القوات الكوردية بقيادة الشيخ أحمد بارزاني والقوات الحكومية العراقية، وتدخلت القوات البريطانية لدعم القوات الكوردية.

مع تطور الأحداث، استطاعت القوات الحكومية العراقية بالتعاون مع القوات البريطانية السيطرة على منطقة بارزان، وأجبرت قوات بارزان على التراجع إلى الأراضي التركية. كانت هذه فترة من المواجهات والصراعات، حيث أظهرت قوة الحكومة العراقية وتأثير القرارات الدولية على الأوضاع في المنطقة.

يُعتبر هذا الفصل في تاريخ كوردستان جزءاً من الصراعات القومية والإقليمية التي عاشها الشعب الكوردي، وكان له تأثير كبير على مسار القضية الكوردية في العقود التالية.

ولهذا السبب فقد احتلت البصرة، وبعد ثلاث سنوات من الحرب، فقد الجيش العثماني السيطرة على الموقف، واستطاعت بريطانيا وروسيا احتلال أجزاء من العراق وإيران، وفي معاهدة سايكس بيكو عام ١٩١٦ سقطت الموصل في يد فرنسا. بعدها استطاعت بريطانيا اقناع فرنسا على تبادل ولاية الموصل مع حصة لبريطانيا، وفي ١١ آذار ١٩١٧ تمكن البريطانيون بقيادة السير ستانلي مود احتلال بغداد.

في ٣٠ آب ١٩١٨، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وفق معاهدة مودروس استطاعت بريطانيا احتلال أجزاء من الموصل وبغداد والبصرة وهزيمة الدولة العثمانية، وفي تشرين الثاني ١٩١٨أصبح الشيخ محمود بأمر من البريطانيين قائداً ميدانياً لمنطقة السليمانية، ومنح لقب النقيب، وكان الشيخ محمود بصفته ممثلاً عن الكورد يطالب بالحقوق الكوردية، وعندما اندلعت ثورة الشيخ محمود في منطقة السليمانية في أيار ١٩١٩ ضد الاحتلال البريطاني، ارسل الشيخ احمد قوة من البارزانيين بقيادة مصطفى بارزاني لمساعدة ثورة الشيخ محمود، كما طلب من رؤساء العشائر تقديم الدعم اللازم للثورة.

وعندما أرسل الشيخ أحمد قوة بقيادة شقيقه محمد صديق للدفاع عن الهجوم على آكري (عقرة)، قُتل العقيد بيل والكابتن سكوت في كمين بتاريخ ٤ تشرين الثاني عام ١٩١٩، وبعد هذه الاحداث اعتبر البريطانيون الشيخ احمد عدواً رئيساً لبريطانيا، بدأوا بتشجيع وحث الآشوريين ضد البارزانيين ولكن كان دون جدوى.

وفي ٣ آذار ١٩٢٠، أتخذ مؤتمر سان ريمو قراراً بفرض الانتداب على العراق، تلاه قرار عصبة الأمم بوقوع العراق تحت الانتداب البريطاني، ما أدى إلى اندلاع الثورة الوطنية في العراق.

في ٢٥ تشرين الثاني١٩٢٠ وفي المحادثات التي جرت بين السير بيري كوكس المبعوث السامي البريطاني وعبد الرحمن النقيب، تم الاتفاق على تشكيل أول حكومة عراقية مؤقتة، والتي تكونت من ثمانية وزراء بلا وزارة واثني عشر وزيراً دون الكورد. وفي ٢٣ آب عام ١٩٢١ تم تعيين الملك فيصل بن الحسين ملكاً على العراق، وفي عام ١٩٢٥ أنشأت الحكومة العراقية أول مركز شرطة في بارزان كخطوة أولى لتعزيز سلطتها، ولكن كان للحكومة هدف آخر من هذا الأجراء.

اندلعت ثورة الشيخ سعيد پیران في عام ١٩٢٥ في شمال كوردستان، وأرسل الشيخ أحمد قوة بقيادة مصطفى البارزاني لمساعدة الثورة ، وشنت الحكومة العراقية البريطانية في عام ١٩٢٧هجوماً عسكرياً ضد الشيخ أحمد وتم ردها من قبل البارزانيين بكل بسالة، وأسست الحكومة في نفس العام قاعدة عسكرية في منطقة بلى، وفي هذه الأثناء تأسست جمعية مساندة الكورد واصبح الشيخ احمد رئيساً للجمعية، وفي شهر شباط ١٩٢٨ وبهدف تهدئة الأوضاع أرسل المبعوث السامي البريطاني، الميجر ويلسون إلى الشيخ أحمد.

وفي هذه الظروف أرسل الشيخ أحمد رسالة إلى الملك فيصل الأول دعا فيها إلى موقف موحد للشعبين الكوردي والعربي لطرد البريطانيين من العراق، وأرسل الشيخ أحمد شقيقه مصطفى البارزاني إلى متصرف الموصل لغرض التبادل بين القوات البريطانية المتمركزة في بلى وبين فوج عراقي، وقد وافق متصرف الموصل على هذا الطلب، وقد حل فوج عراقي بقيادة محمد برقي محل القوة البريطانية في بلى، وقد اثار هذا حفيظة البريطانيين فبدأوا بالتآمر.

دعا الشيخ أحمد إلى استقلال الشعب الكوردي في عصبة الأمم في نيسان ١٩٣١، وازداد غضب البريطانيين من موقف الشيخ أحمد هذا، لذا بدأوا بنشر الدعايات المغرضة ضد تكية بارزان ومرشدها، وكان هذا سبباً في قيام برادوستيين بتحريض من البريطانيين مرتين خلال عام ١٩٣١ بمهاجمة مناطق قبيلة شيرواني وقرى گركال وكولك وبابكى. وتمكنت قوات بارزان بأمر من الشيخ احمد من دحر الهجمات، في المرة الأولى في صيف عام ١٩٣١ بقيادة مصطفى البارزاني، وفي المرة الثانية بتأريخ ٢٥ تشرين الثاني ١٩٣١ بقيادة ولي بك، وفي خضم تلك الأحداث حاول قائممقام زيبار التوسط بينهما وفي ٣ كانون الأول ١٩٣١ طلب قائممقام زيبار من الشيخ أحمد أن يرسل اليه ممثلاً عنه، فأرسل الشيخ احمد شقيقه محمد صديق مع قوة، وكان مصطفى البارزاني في تلك الفترة خارج بارزان، وعندما علمت الحكومة بأن ليس في بارزان الاّ عدد قليل من الأشخاص لذا قررت شن هجوم على القرية.

هاجمت القوات العراقية قرية بارزان في ٩ كانون الأول ١٩٣١ من ثلاث جهات، لكنها اندحرت القوات المهاجمة بعد انْ أُلحقت بها هزيمة كبيرة و قٌتل في الهجوم ١٢٦ جندياً وتم اسر عدد آخرين، وقد استشهد خمسة من البارزانيين خلال المعركة، التي عُرفتْ بمعركة برقي بك، وكانت هذه البطولة سبباً لاندلاع ثورة بارزان الأولى.

وبعد هذه المعركة وبسبب قدوم موسم الشتاء وانخراط جزء من قواتهم في ثورة الشيخ محمود الثانية، وافقت الحكومة على طلب الشيخ أحمد بوقف القتال حتى ربيع عام ١٩٣٢، استغلت الحكومة وقف اطلاق النار وتمكنت من كسب بعض الوجهاء ورؤساء العشائر في المنطقة إليها، وتحريضهم ضد البارزانيين وحشد المزيد من القوات في رواندوز وآكري (عقرة) وأميدي. وفي ١٢ كانون الثاني ١٩٣٢ قرر مجلس الوزراء مهاجمة بارزان،

وفي ١٨ شباط ١٩٣٢ أرسلت الحكومة رسالة إلى الحكومة التركية لمنع البارزانيين من دخول الأراضي التركية، وبعد هذا الموقف أدرك الشيخ احمد ان الحكومة تنوي اعادة تنظيم وحشد قواتها لمهاجمة بارزان. أرسلت الحكومة في ١٠ آذار ١٩٣٢ رسالة إلى الشيخ أحمد طلبت منه الحضور أمام قائممقام زيبار(بلى)، وأمهلوه يومين فقط للحضور والموافقة على إنشاء مركز حكومي في بارزان، وكان الشيخ احمد يعلم بنوايا الحكومة، لذا انه رفض الطلب. وجراء رفض الطلب شنت الحكومة هجوماً من ثلاث جهات عبر قوات المشاة بدعم من القوات الجوية البريطانية.

واستعداداً للدفاع، فقد انقسمت قوات البارزانيين إلى ثلاث جبهات: جبهة ميرگسور - شيروان بقيادة مصطفى البارزاني وجبهة بالندا - آميدي بقيادة محمد صادق ومساعده الحاج طه أكريي، وبقيت قوة في بارزان بقيادة الشيخ أحمد. وحدث أول اشتباك بين الجبهتين بتأريخ ١٨ آذار ١٩٣٢ في كوركي، حيث هُزمت القوات الحكومية وتراجعت إلى ميرگسور.

وفي ٣ نیسان ١٩٣٢، وقعت معركة دولا ڤاژی بمشاركة قوات داي ضد قوات بارزان من جهة ميرگسور حتى دولا ڤاژی وماميسك، بلغت خسائر القوات الحكومية نحو ٢٥٣ قتيلاً وجريحاً مع أسر عدد من جنودها، اما خسائر قوات بارزان كانت ١٣ شهيداً و ٣٤ جريحاً، وبعد هزيمة الجيش العراقي على جميع الجبهات قامت القوات الجوية البريطانية بقصف مكثف لمنطقة بارزان.

وفي ٢٧ أبريل ١٩٣٢ تحطمت طائرة بريطانية بعد إصابتها على يد البارزانيين، وتم القبض على الطيار ومساعده في شيروان مازن، وطلب الشيخ أحمد إرسال أطباء لتلقي العلاج، وفي ٣ أيار ١٩٣٢ زار الكابتن هولت برفقة طبيب ومترجم لغوي الشيخ أحمد، وناقشا معاً هجوم القوات الحكومية، واتفقا على إطلاق سراح ٢٥ شخصاً للبارزانيين، الذين سلّمهم صادق آغا أورماري للحكومة في جبهة آميدي، مقابل اطلاق سراح الطيار ومساعده.

وفي أواخر آيار١٩٣٢ قام الشيخ نورالدين بريفكاني بزيارة الشيخ أحمد ونقل اليه مطلب الحكومة، وكان شرط الحكومة أن تُعقد المحادثات في قرية هوستان بالقرب من فوج عراقي، ورفض الشيخ احمد مطلب الحكومة، بسبب عدم ثقته بالحكومة والبريطانيين، وبعد يومين من عودة الشيخ نورالدين بريفكاني بدأت الغارات الجوية البريطانية بشكل مكثف، ما اجبر القصف القرويين على إخلاء قراهم واللجوء إلى الكهوف، وادت الغارات الى تدمير٧٩ قرية وأحراق ودمار ١٣٦٥ منزلاً.

وبعد هذا الوضع غير المستقر، جمع الشيخ أحمد رجالاً بارزيين مثل ولي بك، خليل خوشوي، أحمد نادر، عبد الله كركمويي، وحسن محمد أمين لدراسة ومناقشة اوضاع المنطقة، وتقرر الانسحاب إلى الأراضي التركية، وفي ١٠ حزيران ١٩٣٢ تجمعت كافة العوائل في وادي زيت والقرى المحيطة استعداداً لدخول الأراضي التركية، لكن قبل مغادرته عقد الشيخ أحمد اجتماعاً آخر مع الرجال البارزانيين وتم فيه اتخاذ بعض القرارات، بما في ذلك دخول أقل عدد ممكن من العوائل إلى تركيا، وعودة العوائل التي لا تتعرض للخطر إلى قراهم وتسليم بعض الأسلحة للحكومة، وعلى أنْ يبقى نحو ٢٠٠ الى ٣٠٠ شخص بقيادة خليل خوشوي وأحمد نادر وعبد الله كركمويي وحسن محمد أمين على الحدود بين قرى گرديين مع أسلحة إضافية يتم استخدامها في الاوقات الضرورية مع مواصلة الحركة المسلحة وحماية العوائل النازحة حتى وصولها إلى تركيا.

وفي ١٢ حزیران ١٩٣٢ هاجم هيئة پول برفقة مرتزقة(جحوش) كلحي ريكاني منطقة المزوريين ولكنهم هُزموا، وفي ١٥ حزيران ١٩٣٢ تقدم الجيش العراقي إلى شيروان مازن، وفي ١٩-٢٠ حزيران ١٩٣٢ هاجم الجيش العراقي وادي زيت وهُزم ايضاً وقُتل منهم ٧٥ جندياً. في ٢٠ حزيران ١٩٣٢ تم ارسال محمد صادق وحاجي طه آكريي إلى قرية گرانه‌ للتفاوض مع سلطات الحكومة التركية لترتيب دخول عوائل البارزانيين إلى تركيا حيث وافقت الحكومة شريطة تسليم أسلحتهم.

وفي ٢١ حزيران ١٩٣٢ دخل البارزانيون الأراضي التركية، وفي ٢٢ حزيران ١٩٣٢ دخل الشيخ أحمد الأراضي التركية، وبانسحابهم تم انهاء ثورة بارزان الأولى، ولكن استمرت الحركة المسلحة ، وبعد دخول الأراضي التركية تم نقل طه آكريي وعلي البارزاني إلى أنقرة ومصطفى البارزاني ومحمد صادق إلى أرضروم.

وبعد ذهاب البارزانيين إلى تركيا، فرضت الحكومة العراقية السيطرة على منطقة بارزان، وأنشأت عدة مراكز للشرطة وقواعد عسكرية في المنطقة، وتقلصت الاشتباكات الى حد ما حتى ربيع عام ١٩٣٣، قامت الحكومة التركية بتسليم الشيخ احمد الى الحكومة العراقية بعد توقيع معاهدة ثلاثية بين تركيا والعراق والبريطانيين، ما ادى الى استياء البارزانيين وتركوا الأراضي التركية وعادوا الى بارزان، بعد عودة البارزانيين في أواخر آب عام ١٩٣٣ شعرت الحكومة العراقية بالخوف من استئناف الثورة من قبل البارزانيين. لذا قامت بإطلاق سراح الشيخ احمد، ومقابل الوعد الذي قطعة الشيخ احمد للحكومة بأرسال مصطفى البارزاني الى الموصل، اطلقت الحكومة العفو العام عن البارزانيين عدا خليل خوشوي.

بعد فترة وجيزة من الثورة الأولى في بارزان بقيادة الشيخ أحمد البارزاني، جرى استدعاء الشيخ أحمد إلى الموصل. بعد مغادرته، تم إرسال مبعوث عنه من الموصل إلى بارزان لاستدعاء مصطفى البارزاني، الذي بدوره توجه إلى الموصل. ومع وصول مصطفى البارزاني والشيخ أحمد إلى المدينة، تم القبض عليهما. كما تم استدعاء محمد صديق، المعروف بـ"بابو"، وأبناء الشيخ عبد السلام وعائلاتهم إلى الموصل، حيث تم نقلهم لاحقاً إلى جنوب العراق.

بمجرد وصول هذه الأخبار، توجه كل من خليل خوشوي وأحمد نادر وعبد الله كركمويي، القادة في حركة بارزان المسلحة الذين بقوا في المنطقة بعد الثورة الأولى، إلى المرتفعات. استؤنفت الاشتباكات وازدادت حدتها مرة أخرى، وواصلوا الصمود والمقاومة.

وفي سياق هذه المواجهات، استشهد أحمد نادر في سبتمبر 1935، وخليل خوشوي في فبراير 1936. بهذا النحو، تم قمع ثورة بارزان الأولى بشكل نهائي حتى عودة الملا مصطفى البارزاني عام 1943. تلك الفترة شهدت تضحيات كبيرة من جانب القادة والمقاتلين الكورد، وكان لها تأثير طويل الأمد على الديناميات السياسية والاجتماعية في منطقة بارزان وكوردستان بشكل عام.

استمرت الآثار الكبيرة لثورة بارزان الأولى بشكل ملحوظ على المشهد الكوردي والعلاقات مع الحكومة العراقية والقضايا الوطنية والإقليمية. بعد عودة الملا مصطفى البارزاني في عام 1943، تغيرت الديناميات في المنطقة، وبدأت مراحل جديدة من النضال الكوردي. كانت هذه الفترة مؤشراً على استمرار الصراعات والسعي الكوردي نحو تحقيق حقوقهم الوطنية.

بعد استقلال العراق في عام 1958، زاد التوتر بين الحكومة والحركة الكوردية، وأدى إلى حدوث صراعات متكررة. تسعى الثقافة والتاريخ الكورديين إلى الحفاظ على ذكرى ثورة بارزان الأولى كجزء من هويتهم الوطنية والمقاومة التاريخية ضد القمع.

في الختام، تظل ثورة بارزان الأولى حدثاً هاماً في تاريخ الكورد، حيث عبّرت عن إرادتهم وصمودهم في مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية. يُذكر هذا الفصل الهام بأهمية النضال الكوردي وروح المقاومة التي تشكل الجزء الحيوي من تاريخ هذا الشعب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

1. McDowall, David. "A Modern History of the Kurds." I.B. Tauris, 2004. 2. Olson, Robert. "The Emergence of Kurdish Nationalism and the Sheikh Said Rebellion, 1880-1925." University of Texas Press, 1989. 3. Bruinessen, Martin van. "Kurdish Ethno-Nationalism versus Nation-Building States: Collected Articles." Isis Press, 2000. 4. Entessar, Nader. "Kurdistan: Political and Economic Challenges in the Post-Saddam Era." University Press of Florida, 2011. 5. Gunter, Michael M. "The Kurds Ascending: The Evolving Solution to the Kurdish Problem in Iraq and Turkey." Palgrave Macmillan, 2008. 6. Romano, David. "The Kurdish Nationalist Movement: Opportunity, Mobilization, and Identity." Cambridge University Press, 2006. 7. Ghassemlou, Abdul Rahman. "The Kurdish Revolutionary Movement, 1977-1985." University of Wisconsin Press, 1991. 8. Barzani, Masoud. "Mustafa Barzani and the Kurdish Liberation Movement: 1931-1961 - Part 1." (Note: Please check for the specific edition and publication details.) 9. Al-Nahrayn to Barzan: Religious Life by Hamza Abdullah Majeed. (Note: Please check for the specific edition and publication details.) 10. "A Summary of the History of the Kurds and Kurdistan" by Mohammad Amin Zaki. (Note: Please check for the specific edition and publication details.) 11. Shorsh, Sami. "Kurdistan and the Kurds." (Note: Please check for the specific edition and publication details.) 12. Interview by Rudaw with the historian Karem Serhildan. (Note: Please provide the specific details of the interview such as the date and title if available.) 13. Muhammad, Mahmud Kareem. "Masthefa Mahma Kareem, Peshwastay Siyasiyayani Dewray Barzani le Maway Salani (1902-1932)." Hawler: Rokhana Print, 2022. Pp. 136-182. 14. Masoud Barzani. "Barzani u Bzawtnaway Razgarykhawazi Kurdi (1931-1958), Borgi Yekami, Chapai Duyami." Pp. 24-54. 15. Abdulaziz Al-Uqaili. "Tarikh Harakat Barzan al-Awlaa Aam 1932." Baghdad: Matba'at al-Shabab, 1956. 16. Bahram Walid Baghi. "Shoreshekani Barzan Sheikh Ahmad le Belgehnamayani Iran da (1909-1970), Borgi Yekami." Tehran: Tarhan - Chapkhane-i Sazman-i Chap-i Ahmad, 2021. Pp. 109-161.

X

تحذير

لا يمكن النسخ!