سوريا في قلب التحولات: تحليل رؤية سياسية للشرق الأوسط الجديد
- Super User
- التحاليل السياسية
- الزيارات: 1291
بقلم: د. عدنان بوزان
مقدمة: نحو خارطة سياسية جديدة للمنطقة:
يتجه الشرق الأوسط نحو تغييرات جذرية في بنيته السياسية والجغرافية، مدفوعاً بمزيج من التدخلات الدولية والإقليمية التي تهدف إلى إعادة صياغة المنطقة بما يتناسب مع مصالح القوى الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل. في قلب هذه التحولات، تقع سوريا التي أصبحت محور النزاع والتجاذب السياسي والعسكري. ومع ذلك، فإن تداعيات هذه التحولات تمتد إلى دول أخرى مثل لبنان واليمن والعراق وإيران، مما يعيد رسم ملامح خارطة الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق، ويضع شعوب المنطقة أمام تحديات وجودية.
أولاً: سوريا والسيناريوهات الجديدة:
1- تقسيم سوريا إلى أقاليم متعددة:
التوجه نحو الفيدرالية في سوريا يُعَدُّ أحد أبرز السيناريوهات التي تعمل القوى الكبرى على فرضها. هذا التوجه يستند إلى تقسيم سوريا إلى أقاليم ذات حكم ذاتي لضمان توزيع النفوذ بين الأطراف المحلية والدولية. أبرز الأقاليم المقترحة هي:
• إقليم شرق الفرات:
يقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ويحظى بدعم أمريكي وأوروبي مباشر. تسعى القوى الغربية إلى عدم تسميته بـ"الإقليم الكوردي" تفادياً لإثارة تركيا، لكنه يشكل أساساً لواقع جديد للكورد في سوريا.
• إقليم عفرين:
قد يصبح جزءاً من الهيكلية الفيدرالية السورية، مع دعم مباشر من التحالف الدولي. تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تمكين "بيشمركة روج" للعب دور أساسي في هذا الإقليم.
• إقليم درزي في الجنوب:
بدعم إسرائيلي مباشر، يُتوقع إنشاء إقليم يحمي الحدود الإسرائيلية-السورية، مما يضمن استقرار الجولان وجنوب سوريا .
• إقليم علوي في الساحل:
يُرجَّح أن يحظى بدعم فرنسي لضمان حماية الأقلية العلوية وربط الساحل بالمصالح الأوروبية والغربية.
• دمشق كمنطقة عازلة:
ستتحول العاصمة إلى منطقة محايدة، لا تخضع لسيطرة أي طرف بشكل مطلق، لضمان عدم اندلاع صراعات جديدة بين الأقاليم.
2- تراجع النفوذ التركي:
تواجه تركيا ضغوطاً غربية مكثفة تدفعها نحو تقليص وجودها في سوريا. العقوبات الاقتصادية والسياسية قد تكون الأدوات الرئيسية التي تُستخدم لإجبارها على الانسحاب، مما سيعيد خريطة السيطرة في شمال سوريا لصالح القوى المحلية المدعومة غربياً.
3- الدور الإسرائيلي في إعادة رسم الخارطة:
إسرائيل تُمارس دوراً محورياً في تعزيز التقسيم الداخلي لسوريا، سواء عبر دعم إنشاء إقليم درزي جنوباً أو عبر الضغط الدبلوماسي لتثبيت توازنات تضمن أمنها القومي على المدى البعيد.
ثانياً: لبنان في ظل الهيمنة الإسرائيلية:
1- انتخاب رئيس الجمهورية تحت وصاية إسرائيل:
رغم انتخاب رئيس جديد للبنان، إلا أن النفوذ الإسرائيلي في الساحة السياسية اللبنانية أصبح أكثر وضوحاً. يُمارس هذا النفوذ عبر ضغوط اقتصادية ودبلوماسية تهدف إلى:
• إنهاء دور حزب الله كقوة عسكرية وسياسية.
• تحويل لبنان إلى دولة خاضعة لوصاية دولية تخدم مصالح الغرب وإسرائيل.
2- تفكيك قوة حزب الله:
تسعى الضغوط الغربية والإسرائيلية إلى تحجيم نفوذ حزب الله عبر:
• فرض عقوبات مشددة على الكيانات المرتبطة به.
• دعم الجيش اللبناني كبديل للقوة العسكرية التي يمثلها الحزب.
• استهداف الدعم الإيراني للحزب عبر مفاوضات دولية.
ثالثاً: اليمن وتغير المعادلة السياسية:
1- إنهاء دور الحوثيين:
يدخل الصراع اليمني مرحلة حاسمة، حيث يعمل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات على تصفية الحوثيين سياسياً وعسكرياً. السيناريو المطروح يشمل:
• تصعيد العمليات العسكرية في معاقل الحوثيين.
• تعزيز حكومة معترف بها دولياً لضمان استقرار سياسي طويل الأمد.
2- تقسيم اليمن إلى شمالي وجنوبي:
عودة اليمن إلى نموذج الدولتين باتت شبه مؤكدة:
• اليمن الجنوبي: بدعم إماراتي وسعودي، سيتحول إلى دولة مستقلة تسعى لتحقيق استقرار اقتصادي وسياسي يخدم مصالح دول الخليج.
• اليمن الشمالي: قد يبقى تحت سيطرة حكومة ضعيفة نسبياً، مع ضمان عدم تشكيل أي تهديد إقليمي.
رابعاً: العراق وتحديات التقسيم:
1- نحو إقليم سني في الوسط:
يواجه العراق احتمالاً متزايداً لتقسيمه مع الحديث عن تشكيل إقليم سني في وسط البلاد، بدعم خليجي وأمريكي، ليكون حاجزاً جيوسياسياً يقلل من نفوذ إيران في المنطقة.
2- تعزيز استقلال إقليم كوردستان:
إقليم كوردستان العراق يحظى بمزيد من الاستقلالية، مع تحوله إلى مركز سياسي واقتصادي بفضل الدعم الدولي، ما يجعله نموذجاً فيدرالياً يحتذى به في المنطقة.
خامساً: إيران وإعادة الهيكلة السياسية:
1- إسقاط نظام الملالي:
يسعى الغرب إلى إسقاط النظام الإيراني عبر استراتيجيات تتراوح بين الضغط الداخلي وإعادة ترتيب المشهد السياسي:
• دعم عودة أسرة بهلوي إلى الحكم بشكل رمزي.
• تحويل إيران إلى دولة فيدرالية لتقليل مركزية السلطة.
2- التأثير على تركيا:
إضعاف إيران سياسياً وعسكرياً سيخلق ضغوطاً مباشرة على تركيا، ما قد يؤدي إلى تقليص نفوذها الإقليمي.
سادساً: أوكرانيا وإعادة التوازن الدولي:
1- تقسيم أوكرانيا إلى شرق وغرب:
الأزمة الأوكرانية قد تنتهي بتقسيم البلاد إلى:
• شرق أوكرانيا: تحت النفوذ الروسي.
• غرب أوكرانيا: تحت النفوذ الأوروبي.
2- إعادة تشكيل الناتو:
الخلافات داخل حلف الناتو، خاصة مع تركيا، قد تُفضي إلى إعادة صياغة هيكله، مما يعزز الهيمنة الغربية على أوروبا والشرق الأوسط.
خاتمة: نحو شرق أوسط جديد:
التغيرات الجارية في سوريا ولبنان واليمن والعراق وإيران تشير إلى ملامح شرق أوسط جديد يتم تشكيله وفقاً لمصالح القوى الكبرى. ورغم أن هذه التقسيمات قد تبدو حلولاً سياسية للصراعات المستمرة، إلا أنها تحمل في طياتها بذور صراعات مستقبلية تهدد الاستقرار.
التاريخ سيشهد أن هذه التحولات لم تكن خطوة نحو السلام، بل بداية مرحلة جديدة من الهيمنة والتبعية. شعوب المنطقة ستواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية تفوق قدراتها، مما يُبقي الشرق الأوسط رهينة للصراعات المستدامة.