غربة الإنسان في زمنٍ بلا قلوب

بقلم: د. عدنان بوزان

لم تعد الحياة كما كانت، ولم تَعُد الأرواح كما عهدناها، ولا القلوب كما قرأنا عنها في كتب الطيبين. كأن الزمن خلع ثوبه الأبيض واستبدله بلونٍ رماديٍّ باهت، وكأن النقاء صار عاراً، والصدق جريمة، والمروءة ضعفاً في عيون العابرين.

في دروب المدن التي كانت تغنّي للحب، صارت أصوات الأنانية أعلى من كل النغمات، وأضحى البشر يجوبون الشوارع بوجوهٍ خاوية، يتهامسون لا ليواسوا بعضهم، بل ليطعنوا من وثق بهم بالأمس. لا أحد يمدّ يده ليزرع وردةً في قلبٍ يابس، بل تراهم يقتلعون حتى الجذور المتبقية في التربة، كأنهم يخشون أن تنبت الإنسانية من جديد.

أصبحنا نخشى على أنفسنا من الذين كنّا نظنهم أهلاً للعطاء، نبحث عن الدفء فلا نجد إلا برودة الخذلان، ونطلب يداً تسندنا، فإذا بها تدفعنا نحو هاويةٍ أعمق. يا للعجب! كيف صار النور مكروهاً، وصار الظلام مألوفًا؟ كيف أصبح الصمت لغة النجاة، والنطق بالحقيقة إعلان حرب؟

حين تسأل عن الحب، ينظرون إليك كأنك تحلم بشيءٍ من الماضي، وحين تذكر الرحمة، يضحكون كأنها خرافة لا مكان لها في هذا الزمن. حتى أولئك الذين كانوا يتغنّون بالأمل، صاروا يبيعون بقايا أرواحهم في أسواق المصالح، يحسبون أن الربح يكمن في الخداع، ويظنون أن القسوة ضمانٌ للبقاء.

ورغم هذا المشهد الرمادي القاتم، أؤمن أن في زوايا الكون لا تزال هناك شموعٌ لم تنطفئ بعد، وقلوبٌ لم تخضع لهذا الجفاف، وأيادٍ لا تزال تمتدّ لتضمّ، لا لتدفع. قد لا يكونون كثرةً، لكن وجودهم كافٍ ليذكّرنا بأن الإنسانية لم تمت، بل هي فقط غارقة في سباتٍ مرير، تنتظر من يوقظها بحبٍّ صادق لا تلوثه المصالح، وبإخلاصٍ لا تكسره الأيادي الملطّخة بالخداع.

وإلى أولئك الذين جعلوا من القسوة مذهباً، ومن الخيانة سبيلاً، لا تنسوا أن كل شيءٍ يعود، حتى الكلمة التي تلقيها في وجه إنسانٍ بائس، ستجد طريقها إليك يوماً ما. فكما تدين تُدان، وكما تزرع تحصد، وكما تهدم في أرواح الآخرين، ستسقط في خرابٍ صنعته يداك.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!