تحليل قانوني حول إمكانية تسليم بشار الأسد وفق القوانين الدولية
- Super User
- التحاليل السياسية
- الزيارات: 1311
بقلم: د. عدنان بوزان
مع حدوث انقلاب سياسي في دمشق، تولّت سلطة جديدة زمام الحكم، بعد مسرحية هزلية تمثّلت في هروب المجرم بشار الأسد واستلام أحمد الشرع (المعروف بأبو محمد الجولاني المصنف إرهابياً) مقاليد السلطة تحت جنح الظلام، بدعم من بعض القوى الإقليمية. يثير هذا التغيير العديد من التساؤلات القانونية والسياسية، وعلى رأسها مصير المجرم بشار الأسد، خاصة بعد لجوئه إلى روسيا.
إن مطالبة السلطة الجديدة بتسليم الأسد تفتح نقاشاً قانونياً واسعاً حول مدى إمكانية ذلك وفق القوانين الدولية والمواثيق الخاصة بحماية اللاجئين، إضافة إلى مسألة حصانة الرؤساء السابقين وآليات تسليم المطلوبين في القانون الجنائي الدولي. هذه القضايا تضع النظام القانوني الدولي أمام اختبار حقيقي بين مبادئ العدالة والمصالح السياسية للدول المعنية، مما يجعل هذا الملف أحد أبرز التحديات في المشهد السوري الجديد.
أولاً: الحصانة الرئاسية ورفعها:
يتمتع رؤساء الدول بحصانة أثناء توليهم مناصبهم وفقاً للقانون الدولي العرفي والاتفاقيات الدولية، ولكن بعد تركهم للسلطة، تصبح هذه الحصانة قابلة للنقاش خاصة إذا ارتبطت بجرائم دولية جسيمة، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. المحكمة الجنائية الدولية (ICC) أثبتت في قضايا سابقة، مثل حالة عمر البشير، أن الحصانة لا تعيق الملاحقة القضائية عن الجرائم الدولية.
ثانياً: اللجوء السياسي والحماية الدولية:
بما أن الأسد حصل على اللجوء في روسيا، فإن القانون الدولي، وخاصة اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، تمنع تسليم اللاجئين إلى دول يمكن أن يواجهوا فيها خطر الاضطهاد. غير أن المادة (1F) من الاتفاقية نفسها تستثني من حماية اللاجئين كل شخص تورط في جرائم ضد السلام، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وهي التهم المحتملة التي يمكن توجيهها للأسد.
ثالثاً: اتفاقيات تسليم المجرمين:
لا توجد اتفاقية تسليم مجرمين ملزمة بين روسيا وسوريا، ولكن وفقاً لاتفاقيات الأمم المتحدة مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (1984)، يمكن تسليم المتهمين بجرائم جسيمة حتى في غياب اتفاقية ثنائية، بشرط وجود محاكمات عادلة وعدم تعرض الشخص المعني للتعذيب أو الإعدام.
رابعاً: المسؤولية الدولية لموسكو:
إذا رفضت روسيا تسليم الأسد، فقد تُتهم بمخالفة التزاماتها الدولية، خصوصاً إذا صدرت مذكرة توقيف دولية من المحكمة الجنائية الدولية بحقه. ورغم أن روسيا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، فإن مجلس الأمن يستطيع بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إجبارها على التعاون، كما حدث في قضايا سابقة.
خامساً: دور المحاكم الدولية والوطنية:
يمكن للسلطة السورية الجديدة تحريك دعاوى قضائية دولية عبر:
• المحكمة الجنائية الدولية: إذا تم إحالة القضية عبر مجلس الأمن.
• مبدأ الولاية القضائية العالمية: الذي يتيح لدول أخرى محاكمة الأسد حتى دون تسليمه.
• المحاكم الوطنية: حيث يمكن للسلطة السورية الجديدة محاكمته غيابياً وإصدار مذكرة توقيف دولية.
سادساً: البعد السياسي للتسليم:
بما أن السلطة الجديدة في دمشق مدرجة ضمن قوائم الإرهاب، ولا يوجد دستور دائم في سوريا، كما أن النظام القضائي لا يوفر محاكمات عادلة، فإن مطلب أبو محمد الجولاني من روسيا بتسليم بشار الأسد هو مجرد خطوة إعلامية دون أي أثر قانوني. يبدو أنه يحاول إيهام الشعب السوري بأنه يسعى لتحقيق العدالة، بينما في الواقع، أي تسليم محتمل لن يكون إلا ضمن اتفاق سياسي بين موسكو ودمشق، بعيداً عن أي التزامات قانونية دولية. وعليه، فإن أي حديث عن محاكمة الأسد في سوريا سيكون خاضعاً لمساومات سياسية وليس لمعايير العدالة الدولية.
في الختام، من الناحية القانونية، لا يوجد عائق مطلق يحول دون تسليم بشار الأسد إلى السلطة السورية الجديدة، شريطة وجود غطاء قانوني قوي، إما من خلال اتفاقيات تسليم، أو عبر قرار من المحكمة الجنائية الدولية، أو عن طريق ضغط دبلوماسي وسياسي على روسيا. ومع ذلك، تظل العوامل السياسية والدبلوماسية هي التي ستحكم في النهاية مصير هذه القضية