كلمة اليوم: الواقع السياسي الراهن: رؤية فلسفية نحو التغيير والتقدم
بقلم: د. عدنان بوزان في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بمنطقة...
كلمة اليوم: صمت الأوطان وثورة الأقلام: بين الركوع والمقاومة
بقلم: د. عدنان بوزان لو أننا أُخرسنا حقاً، لو أن أصواتنا سُكتت...
كلمة اليوم: ما وراء الأنقاض: كيف تبني الشعوب مستقبلها؟
بقلم: د. عدنان بوزان أيها الشعوب المنهكة في الشرق الأوسط، إن أصوات...
كلمة اليوم: التحالفات الجديدة وإعادة تشكيل الجيوسياسية العالمية
بقلم: د. عدنان بوزان ..
في ظل التحولات السريعة والعميقة التي تشهدها الساحة الدولية، يبرز تحالف روسيا والصين كمثال بارز على إعادة تشكيل القوى في النظام العالمي. هذا التحالف، الذي يعيد للأذهان الروابط الأيديولوجية الماضية، يكتسب اليوم بعداً استراتيجياً متجدداً يواجه به تحديات العولمة والهيمنة الأمريكية.
تاريخياً، كانت العلاقة بين الصين وروسيا معقدة، تتأرجح بين التقارب والتنافس. لكن العقد الأخير شهد تقارباً ملحوظاً، يعززه التوتر المتصاعد مع الولايات المتحدة. يُظهر هذا التحالف كيف أن الدول تسعى لتحقيق الأمان والتقدم عبر التعاون الذي يعزز مواقعها في مواجهة التحديات العالمية والإقليمية.
يُعد هذا التحالف دليلاً على أن السياسة الدولية تعمل في نظام ديناميكي مستمر التغير، حيث تتفاعل الأيديولوجيات والمصالح الاقتصادية لتشكل واقعاً جديداً. فالاقتصاد والأمن يظلان المحركين الأساسيين لهذه العلاقات، حيث تستغل كل دولة ما لديها من موارد ونفوذ لتعزيز مكانتها العالمية.
من جهة أخرى، تعاني الولايات المتحدة من تحديات في إعادة صياغة سياستها الخارجية لتواكب هذا التحول. فعهد الهيمنة الأمريكية الذي لم يعد مضموناً يتطلب تفكيراً استراتيجياً يشمل التحالفات الجديدة والقديمة ويعيد تقييم الأولويات في ضوء الواقع الجديد.
في ظل التحولات الجيوسياسية الحالية، يتبلور تحالف روسي- صيني كعنصر محوري قد يعيد تشكيل النظام العالمي ويعيد تعريف موازين القوى العالمية. هذا التحالف لا يمثل فقط استجابة استراتيجية للضغوط الخارجية، بل يعكس أيضاً رغبة مشتركة في تحدي الهيمنة الأمريكية وتوسيع نفوذ كل من موسكو وبكين في مختلف القطاعات الاستراتيجية من الاقتصاد إلى الأمن العالمي.
تشير الأحداث الأخيرة، من تنسيق السياسات الخارجية إلى المناورات العسكرية المشتركة، إلى أن روسيا والصين تعملان على تعميق تعاونهما العسكري والاقتصادي. هذا الواقع يجب أن يُقرأ في واشنطن كإشارة واضحة على أن النهج الأمريكي الحالي، الذي يعتمد أساساً على الضغط والعقوبات، قد يكون مضاداً للإنتاجية وقد يعجل بتشكيل جبهة موحدة ضد المصالح الأمريكية على المدى الطويل.
من المفارقات، أن التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وهاتين القوتين قد دفعتهما لإعادة تقييم وتعزيز علاقتهما الثنائية، ما يشكل تحدياً مباشراً للنفوذ الأمريكي في مناطق متعددة من العالم، خصوصاً في آسيا وأوروبا الشرقية. الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية جديدة تعترف بالواقع الجديد وتسعى إلى تحقيق توازن استراتيجي يمنع تصاعد التوتر ويفتح آفاقاً للتعاون في مواضيع محددة قد تكون فيها المصالح متقاطعة.
إن تعامل الإدارة الأمريكية مع هذا التحدي يتطلب تقديم بدائل عملية وفعالة تعتمد على الدبلوماسية الرشيدة والاستعداد للتفاوض من موقع قوة لكن مع الحفاظ على احترام المصالح المشتركة وتفهم الاختلافات. يجب على الولايات المتحدة استغلال فرص التعاون العالمي، مثل مكافحة التغير المناخي، مراقبة الانتشار النووي، وتعزيز الأمن السيبراني، كنقاط انطلاق لبناء الثقة والحوار بين الدول الكبرى.
في هذا الإطار، من الضروري أن تتخذ السياسة الأمريكية نهجاً أكثر مرونة وابتكاراً، يتجاوز الردود التقليدية للضغط والعزل، ويعترف بأن تنامي القوة الاقتصادية والعسكرية لروسيا والصين يمكن أن يوفر أرضية للتفاهم المتبادل بدلاً من الصراع المستمر. يمكن للولايات المتحدة استغلال مكانتها العالمية لتشجيع الحوار والشراكة في مجالات متعددة تخدم الاستقرار والتنمية العالمية.
بناء على هذا، ينبغي على صانعي السياسة في واشنطن أن يتبنوا استراتيجية توازن بين القوة والدبلوماسية. يجب أن تكون هذه الاستراتيجية مرنة بما يكفي للتكيف مع التحولات الجيوسياسية السريعة، وأن تكون قادرة على التعامل بشكل بنّاء مع كل من التحديات والفرص التي تظهر على الساحة الدولية.
من الواضح أن العالم يتجه نحو مزيد من التعقيد الجيوسياسي، والاستجابة لهذا التحدي تتطلب قدراً من الحكمة والحصافة السياسية لمواجهة الواقع الجديد بكل تعقيداته وإمكانياته. لا يمكن للولايات المتحدة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام تحالف روسي- صيني يعيد تشكيل النظام العالمي، بل يجب عليها أن تلعب دوراً فاعلاً في هذه المرحلة الجديدة من العلاقات الدولية، وأن تعمل على بناء نظام عالمي يكون أكثر عدلاً وتوازناً، يحترم السيادة ويعزز التعاون.
لذا، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن لهذه الدول أن تتجاوز التاريخ الطويل من المنافسة والشكوك لتبني نظام عالمي أكثر استقراراً وتعاوناً؟ الجواب يكمن في كيفية إدارة هذه الدول لتحدياتها الداخلية والخارجية وقدرتها على إعادة تعريف العلاقات الدولية بشكل يخدم مصالح الإنسانية جمعاء.
ومن هنا، نرى أن التحدي الأكبر يكمن في بناء فهم مشترك وتعاون دائم يمكن من خلاله التعامل مع التحديات المعاصرة وهي قضايا تتطلب جهداً جماعياً وليس فقط مواجهات بين القوى العظمى.
في ختام هذه الكلمة، ليست فقط تعبيراً عن الواقع السياسي الحالي، بل دعوة للتفكير والعمل من أجل مستقبل يحتضن التعددية والتعاون بين جميع الأمم والشعوب.