كوباني: ملحمة المقاومة وبوابة سوريا الجديدة
بقلم: د. عدنان بوزان مدينة كوباني التي خطّت بدماء أبنائها وبناتها...
تصريح سياسي تحذيري: الاعتراف بحقوق الكورد أو غياب الاستقرار في سوريا
إننا نحن الكورد، ومن منطلق إدراكنا العميق لحجم التحديات التي تواجهنا...
تصحيح المسار السياسي الكوردي في سوريا: نحو رؤية واقعية واستقلالية
بقلم: د. عدنان بوزان في ظل التعقيدات التي تحيط بالمشهد السياسي...
تصحيح المسار السياسي الكوردي في سوريا: نحو رؤية واقعية واستقلالية
بقلم: د. عدنان بوزان
في ظل التعقيدات التي تحيط بالمشهد السياسي الكوردي السوري، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في المسار السياسي الحالي، وصياغة مطالب واضحة تعكس تطلعات الشعب الكوردي ضمن إطار وطني جامع، بعيداً عن التجاذبات الإقليمية والخارجية.
إن القضية الكوردية في سوريا ليست مجرد تفصيل هامشي يُطرح على هوامش الصراع الجيوسياسي المعقد، بل هي اختبار حقيقي لمفهوم الانتماء الوطني والقدرة على تحقيق التوازن بين الهوية الكوردية والالتزام بمصير سوريا الموحدة.
إن معالجة هذه القضية تتطلب تجاوز منطق التقوقع داخل مطالب قومية ضيقة، والابتعاد عن الارتهان إلى القوى الخارجية، والانتقال نحو رؤية سياسية واضحة ومستقلة، تُعيد وضع القضية الكوردية في سياقها الوطني الديمقراطي، بما يحقق العدالة لجميع السوريين على اختلاف مكوناتهم.
1- تأكيد الارتباط بدمشق: بين الهوية الوطنية والمطالب المشروعة:
لا بد من الإقرار بأن جميع الأحزاب الكوردية السورية – بمختلف توجهاتها – قد أكدت مراراً وتكراراً على عدم سعيها للاستقلال أو الانفصال عن سوريا. فالمصير الكوردي كان وسيبقى مرتبطاً بجغرافية دمشق، باعتبارها مركز القرار السياسي ومفتاح الحل الشامل للأزمة السورية. هذه الحقيقة تفرض أن تتكامل الرؤية الكوردية مع باقي المكونات الوطنية، في إطار سعي مشترك لبناء دولة ديمقراطية تعددية تضمن الحقوق السياسية والاجتماعية لجميع شعوبها، بما في ذلك الكورد.
إن الإشكالية تكمن في كيفية صياغة الخطاب الكوردي بما يعكس هذا التوجه الوطني، بعيداً عن التناقضات أو الالتباس الذي يولده الاعتماد المتزايد على القوى الكوردية خارج الجغرافيا السورية.
2- الاعتماد على الداخل السوري: أزمة الشرعية والتمثيل:
إن ارتباط بعض القوى الكوردية السورية بأطراف كوردية إقليمية – سواء في العراق أو تركيا أو إيران – يمثل انحرافاً عن مسار العمل السياسي المستقل. وعلى الرغم من أن هذه الروابط قد تبدو مبررة تاريخياً بحكم وحدة القومية الكوردية عبر الحدود، إلا أنها تفقد السياسي الكوردي السوري خصوصيته الوطنية وتضعه في خانة التبعية. هذا الاعتماد يُضعف شرعية الحركة الكوردية في سوريا، إذ يعطي الانطباع بأنها لا تنطلق من إرادة كوردية سورية خالصة، بل من أجندات خارجية لا تعكس بالضرورة مصالح الشعب الكوردي السوري.
من هنا، فإن تصحيح المسار يتطلب إعادة بناء الحركة السياسية الكوردية على أسس استقلالية ترتكز على الداخل السوري، من خلال:
• إبراز القيادات المحلية التي تعبر عن واقع الكورد السوريين وخصوصيتهم الثقافية والاجتماعية.
• تعزيز المؤسسات السياسية الكوردية المستقلة داخل سوريا، بعيداً عن أي وصاية خارجية.
• التحالف مع باقي القوى الوطنية السورية لإيجاد حلول مشتركة للقضية الكوردية ضمن الإطار السوري العام.
3- الدور الإقليمي والرهانات الخاطئة:
إن التعويل على الأطراف الكوردية من خارج الحدود السورية ليس مجرد خطأ استراتيجي، بل هو سقوط في فخ التوازنات الإقليمية التي لا تخدم سوى القوى الكبرى. فكل قوة كوردية خارجية لديها أجنداتها الخاصة ومصالحها القومية، التي قد تتقاطع – في لحظة ما – مع القضية الكوردية السورية، لكنها سرعان ما تتحول إلى أداة ضغط أو مساومة في إطار الصراعات الإقليمية.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا لا يكون الكورد السوريون هم أصحاب القرار في تقرير مصيرهم؟ إن الاستقلالية السياسية والاعتماد على الذات هما الضمانة الوحيدة لتحقيق المطالب الكوردية العادلة، بعيداً عن الانقسام الداخلي أو الاستغلال الخارجي.
4- تصحيح المطالب: بين القومية والديمقراطية:
إن القضية الكوردية في سوريا لا يمكن حلها بمعزل عن الحل السياسي الشامل للأزمة السورية. وبالتالي، يجب أن تبتعد المطالب الكوردية عن أي طابع قومي ضيق، وأن تتبنى خطاباً ديمقراطياً شاملاً يعبر عن حقوق جميع المكونات السورية. فالمسألة ليست مسألة كوردية فقط، بل هي مسألة بناء دولة ديمقراطية تضمن حقوق الكورد وغيرهم من الأقليات القومية والعرقية.
إن التحول نحو هذا الخطاب سيعزز مكانة الكورد في الداخل السوري، وسيكسبهم دعماً وطنياً واسعاً، بدلاً من الاتهامات التي تطالهم بسبب علاقتهم مع الأطراف الخارجية.
إذاً، الحركة السياسية الكوردية في سوريا اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السعي بوضوح نحو مشروع استقلال كوردستان الغربية ( روج آفا) في الجزء الملحق بالجغرافيا السورية، كخيار قومي صريح وعلني، أو إعادة النظر في سياساتها السابقة والعودة إلى مشروع وطني يضع القضية الكوردية ضمن إطار الدولة السورية الموحدة.
إن التردد بين هذين الخيارين، أو التمسك بسياسات ضبابية تخدم المصالح الشخصية والحزبية، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإرباك السياسي وتضييع حقوق الشعب الكوردي السوري. لذا، بات من الضروري اتخاذ موقف حاسم وشفاف يعبر عن الإرادة الكوردية، بعيداً عن التجاذبات الإقليمية والرهانات الخاطئة.
الخاتمة: نحو مشروع وطني كردي مستقل:
إن تصحيح مسار الحركة السياسية الكوردية في سوريا يتطلب العودة إلى الجذور: الاعتماد على الداخل الكوردي السوري، والابتعاد عن الأجندات الخارجية، وتبني خطاب وطني ديمقراطي يعبر عن تطلعات الشعب الكوردي ضمن دولة سورية موحدة. إن تحقيق هذه الغاية ليس مجرد مطلب سياسي، بل هو واجب تاريخي لضمان استمرارية النضال الكوردي في إطار من الوحدة الوطنية والتضامن مع باقي مكونات الشعب السوري.
فالتاريخ لا يرحم التبعية، ولا يعترف إلا بمن امتلك قراره وكتب مصيره بيده.